الأربعاء، 28 أبريل 2010

فيلم الملازم الفاسد 2009


The bad Lieutenant : port of call new Orleans.
حالة انفصام فى المجتمع الامريكى


فيلم الملازم الفاسد يعد من اهم الافلام الى اتى بها الينا مخرجه الالمانى ويرنير هيرزوج واهمية هذا الفيلم تكمن فى رؤيته الاخراجية المتميزة وموضوعه والمعانى المستترة التى تزخر بها الحبكة بالاضافة لتمثيل عبقرى كل هذا فى قالب يجمع بين الجريمة والكوميديا السوداء.


يبدو الفيلم للوهلة الاولى فيلما تجاريا وواحد من افلام هوليوود التى تشكل الجريمة والجنس والمخدرات فيها محاور رئيسية ولكن المشاهد المتعمق لهذا العمل السينمائى سوف يكون له رأى اخر فهو بكل تأكيد سوف يدرك ان للمخرج اغراض اخرى واهداف لا تنحصر فى التسلية والمتعة فقط ولا ابالغ فى زعمى ان المشاهد قادر ايضا على التنبة للرموز الكامنه وراء اختيار المخرج لهيئة الشخصيات وعلاقتها بموضوع الفيلم ورسالته فمثلا شخصية البطل تيرانس ماجداو ويلعبها نيكولاس كايج تعانى من حدب بسيط نتيجة لأصابة مزمنة فى الظهر والحدب هنا ليس مجرد صدفة بل هو رمز للأعوجاج والتشوة الاخلاقى فى شخصية البطل والذى نرى اثاره طوال الفيلم الذى يبدأ بمشهد للبطل وهو يقوم بأنقاذ احد السجناء الذين لم يتم اخلائهم من الغرق عقب اعصار كاترينا ويصاب البطل فى ظهره اصابة مزمنة تحتم عليه الاعتماد على الادوية بشكل دائم لقتل الالم وتتم ترقيته الى رتبة ملازم وينتقل بنا هيرزوج الى ستة اشهر لاحقة فنرى البطل وقد تحول الى مدمن لتقريبا كل انواع المخدرات ( هيروين, كوكايين, ماريجوانا...) وليس هذا فقط بل نرى سوء استغلاله لسلطته ومنصبه للحصول على المخدرات سواء من مراكز حيازة الشرطة او عن طريق ارهاب الاغنياء من مرتادى الملاهى للأستيلاء على ما بحوزتهم من مواد مخدرة وتلقيه الرشاوى المادية والجنسية كلها مظاهر للتشوة والأعوجاج الاخلاقى الذى يرسم ملامح شخصيته ونراه بشكل واقعى طوال 121 دقيقة هى مدة الفيلم.


والفيلم يتناول قضية كلاسيكية هى الصراع الازلى بين الخير والشر, الصواب والخطأ, الاستقامة والانحراف بتقديم نموذجين احدهما فاسد يجسده كايج والاخر صالح يجسده زميله الشرطى ويستخدم هيرزوج هذا الصراع بشكل عصرى لتوضيح درجة الأنفصام التى يعانى منها المجتمع الامريكى الان ففى طيات هذا المجتمع من يسيئون استغلال سلطاتهم وهناك من دفعت به احداث الحياة الى تحولات جذرية من الصلاح الى الفساد وما يزال كل هذا مقبولا فى هذا المجتمع.
ويكشف لنا المخرج ايضا عن طبيعة المجتمع الامريكى الذى تحكمه المساومات فالكل يساوم الكل والكل يعقد الصفقات مع الكل ولا يعطى الفرد فيه شيئا الا فى حالة حصوله من وراءه على منفعة او مقابل ما ومن يخرج عن هذا المفهوم الاجتماعى والتعاقد الضمنى لابد وان يجنى شرا فالبطل حين قام بأنقاذ السجين اصيب فى ظهره اى عندما قام بعمل صالح دون ان ينتظر من وراءه مقابل .

وقد تعمد المخرج ابراز نموذج الشرطى الفاسد والتركيز عليه بينما قام بتهميش زميله الضابط المستقيم وتقليل مساحة دوره الا انه لم يلغها تماما فالاستقامة ضرورية لوجود الفساد وحتمية لأكتمال المثلث الذى ظهر واضحا فى احد المشاهد المعبرة فى الفيلم التى تجمع بين كل من تيرنس و زميله الشرطى ومجرم من تجار المخدرات فنرى المجرم جالسا وفى مواجهته الشرطى وبينهما يقف كايج مشرفا عليهم ونرى المنظر كله معكوسا من خلال المرأة الموجودة فى غرفة التحقيق.


ولتوضيح تفشى الجريمة فى مدينة نيو اورلينز اعتمد هيرزوج على اضاءة معتمة فى اغلب لقطات الفيلم لأعطاء احساس بالحداد وكانت الكاميرا تلاحق البطل احيانا واحيانا اخرى تظهره هو المسيطر والمتحكم فى الاحداث التى تجرى من حوله.


ولا املك سوى رفع القبعة لكايج الذى قدم اداءا عبقريا فى تجسيده لشخصية الضابط مدمن المخدرات بالأضافى الى اداء جيد من كل من فال كيلمر وبراد دوريف ولكنه لا يرقى الى مستوى اداء كايج


ان هيرزوج مخرج متمكن من اللغة السينمائية اى انه يدرك جيدا طبيعة هذة اللغة وادواتها التى تتمثل فى تكوين الكادر بشكل اساسى فهو لا يعتمد على الحوار الدائر بين الشخصيات الا فى اضيق الحدود ويركز على تكوين الكادر وحركة الممثلين لشحن المشاعر والمعانى المرغوب توصيلها وتتجلى براعة هيرزوج وفهمه لادوات فنه فى اسلوب تضمينه للرمز فى الفيلم بشكل سلس ناعم لا يشعر المتفرج انه مفروضا عليه او دخيلا على الفيلم والاكثر اهمية انه لا يضطره للتساؤل عن منطقيته او واقعيته داخل سياق الاحداث فرؤية البطل للسحلية التى تكرر ظهورها ثلاث مرات فى الفيلم لها ما يبررها ففى المرة الاولى كانت السحلية ميتة على الطريق فيما يبدو انه حادث على الطريق القريب من الساحل وفى المرة الثانية والثالثة نراها فى صورة هلوسات يعانى منها البطل تتسبب فيها المخدرات ولا يعنى هذا ان السحلية فى الفيلم هى صدفة او انها جاءت اعتباطا بل ان تكرار لفت النظر اليها فى اكثر من مشهد كأنه رسالة من المخرج للمشاهد فكأنما يريد ان يقول له انتبة فهذا عنصر مهم او انا هنا اريد ان اقول شيئا هاما اى ان هذا التكرار اكسبها دلالة وقوة رمزية كذلك متابعة الكاميرا لملامح البطل وانفعالاته بينما يراقب السحلية وهى تتحرك ايضا اكسبها دلالة هامة فهو يوحى بوجود علاقة تشابة بينه وبين هذا الكائن الذى لا يراه احد سواة اى ان هناك بعض من الخصوصية فى هذا الرمز فمن الجائز ان السحلية تعبر عن التناقض بين الطبيعة والارض فى عالم تسوده المسدسات والمخدرات والفساد كما يتضح من اسلوب المخرج فى افلام سابقة وتصويره للصراع بين الانسان والطبيعة ومن الجائز ان السحلية ترمز للغرب اوقد تحمل معانى كثيرة تركها المخرج مفتوحة لخيال المتلقى

.
واختتم هيرزوج سيمفونيته بمشهد يصلح لأن يكون حسن الختام لعمل فنى جميل وهو مشهد لتيرانس البطل والشاب الذى قام بأنقاذه فى بداية الفيلم جالسان ومن خلفهما حوض اسمالك كبير نرى فية اسماك من انواع واحجام مختلفة كأنما هى الحياة وكلاهما يعطى ظهره لها تعبيرا عن الانفصال بينهما وبين هذا الواقع .




فريق العمل: نيكولاس كايج, ايفا ميندس, فال كيلمر, براد دوريف, فيروزة بالك, اكزيبيت
المخرج: ويرنير هيرزوج

المصور: بيتر زيتلينجر
الموسيقى: مارك ايزهام
سيناريو: ويليام فينكلستاين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق